في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2006 فجعت البحرين برحيل شيخها وأحد رموزها الكبار ورائد حركتها المطلبية في التسعينيات، العلامة المجاهد الشيخ عبدالأمير الجمري.
وتمر هذه الأيام ذكرى رحيله، فها هي صورته تتألق من جديد ليمر أبناء البحرين من خلالها مرور المحبين، لذلك الشخص العظيم الذي كان يمثل مساحة التآلف والتجانس والتقارب والمحبة بين الجميع.
كان الشيخ الجمري ومنذ تحركاته الأولى، صوتاً ينادي بالوحدة ونبذ الطائفية، والإنصاف والعدالة والمساواة، واحترام الإنسان كونه إنساناً له حق على هذه الأرض.
للشيخ الجمري كلمات لا يمكن أن تنسى، كانت تنظر للأفق البعيد ولمستقبل هذا الوطن العزيز، فلا يمكن لأحد أن ينسى دعوة الشيخ الجليل في كل المحافل «لتعميق شعور الوحدة وتراص الصفوف واجتماع الكلمة».
لم يكن حديث الشيخ الجمري عن لم الصفوف ونبذ الطائفية حديثاً مرتجلاً ولا مستغرباً منه، بل كان نتاج رؤية واضحة لفكرة رجل سياسي بالدرجة الأولى ومحنك قبل أن يكون رجل دين، ولم تكن قراءته لزمن بعينه بل لوطن بأكمله، يعلم بأنه لا يمكن أن يطير بجناح واحد فقط.
سبق الجمري كلّ من يدّعي الآن أنه ضد الطائفية ويرغب في الوحدة، فمنذ التسعينيات وقبلها كان الشيخ الجمري يعمل على ذلك، من أجل وطن فيه المواطن عزيز لا فرق بين أحد، ومن أجل وطن يكون فيه الإنسان كريماً من دون تمييز.
حركة الشيخ الجمري كانت محل احترام الجميع، فقد كسر بزياراته التاريخية للمحرق وجمعية الأصالة وعائلة الخاجة، كل هواجس الخوف وجدران التخندق الطائفي وأوصل رسائل واضحة المعنى بأن الشعب البحريني لا يريد إلا العزة والكرامة في وطن يحتضن الجميع.
الكثيرون يتشدقون الآن بأنهم دعاةٌ للوحدة والمصالحة، ونسوا أو تجاهلوا أن هذه الدعوة كانت منذ زمن بعيد جداً أطلقها رجل عظيم حفر اسمه على هذه الأرض بتضحياته وعطائه.
في ذلك الوقت (2001) قالها الشيخ الجمري: «أتصوّّر أن جميع من تابع تحركنا وقرأ أدبياتنا منذ البداية لم يجد مطلباً طائفياً طالبنا به ولا شعاراً فئوياً نادينا به، رغم شدة المحنة وقسوة الظروف آنذاك. وسنظل ملتزمين بهذا الطرح رافضين لأي مشروعٍ طائفي حذرين من أي صوت نشاز».
ومن ذلك الوقت مازال ذلك الخطاب هو ذاته، لم يتغير في شعاراته ومطالبه، إذ أكد أن هذا الخط سيكون محل التزام كامل، وبقي هذا الالتزام الكامل لم يتغير أبداً حتى الآن.
شعار السلمية ليس جديداً على الشارع البحريني، فقد أكّده أيضاً شيخنا الجليل في المحرق في جمعية الأصالة: «كما التزمنا سنبقى مؤمنين بأن الأسلوب السلمي هو الأسلوب الناجح للوصول للأهداف المرسومة وإن تأخّرت الحلول».
خطوط الحركة المطلبية في البحرين لم تكن وليدة اللحظة، ولم تكن نتائج «الربيع العربي» بل سبقت ذلك بسنوات طويلة، فوحدة الصف ورفض أي مشروع طائفي كانت شعارها منذ التسعينيات من القرن الماضي، والمطالب العادلة هدفها، والنهج السلمي طريقها، وقد خطها الشيخ الجمري منذ زمن طويل.
رحمك الله شيخنا العزيز
هاني الفردان
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3390 – الإثنين 19 ديسمبر 2011م الموافق 24 محرم 1433هـ