ذكراك عندي ستبقى جمرة لا تنطفئ أبدا ، و ما يطفئها ؟ آهاتك التي لازالت ترن في مسامعي ليل نهار ، و مناجاتك الليلية التي أنتبه عليها لشدة تفاعلك ، فأسمع دعاءك الحزين ، واشتد هذا منذ العام 88 منذ أن اشتد التضييق الأمني عليك حتى تم فصلك واعتقالك وأبنائك من لحمك ومن الشباب المحيطين بك وتم تشريد الباقي …..وبدأت معركة المساومات منذ ذلك الوقت ، سئمنا من كثرة الرسل التي تغدو و تروح ليلا ونهارا ، حاملة العصا والجزرة : خذ ابنيك و ارجع إلى عملك و اسكت عن باقي أبناء الناس ، وغير مجرى حياتك و سلوكك ، و خذ المنصب الفلاني و المبلغ الكذائي و…و..و في نفس الوقت : إن لم ترتدع ، فسوف نفعل بك كذا و كذا ….فترد بنفس الجواب : الشعب كلهم أبنائي ، و ليسا فقط جميل و عبدالجليل ، فتستمر الحرب ويضيق عليك حتى في قراءة المجالس الحسينية ، حيث يتم تهديد أصحاب المآتم الكبيرة قبل كل محرم كيلا يستدعوك للقراءة فيها ، ويتم التضييق على كل من يأتي لمجلسك ، أو يصلي وراءك ، ويبلغ من شدته إلى نصب حجرة خشبية أمام مجلسك علنا في العام 87م وذلك لجلوس رجال المخابرات فيها هذا غير السيارة الموكلة بالسير خلفك ليلا ونهارا منذ العام 79م ، حتى أنك في إحدى المرات أشفقت عليهم من شدة الشمس قبل أن يعملوا لهم خيمة خشبية ، وذهبت لهم تدعوهم لدخول المنزل وتناول طعام الغذاء ، ولما سألناك قلت 🙁 مساكين كسروا خاطري ، في الشمس ) واستمر الحال كذا حتى العام 95م. عندما تم الهجوم على قريتك و محاصرتها من جميع النواحي في الساعة الثانية ليلا بجيش من الجنود المدججين بالسلاح الذين حاصروا القرية بأكملها و قتلوا بالرصاص الحي شهيدين و جرحوا ما ينيف على الخمس والأربعين بترت رجل أحدهم في ليلة سوداء مشهودة ، أما المجمع الذي تسكنه فأخرجوا كل أهله منه لتكون عزلة تامة جدا ثم اقتحموا المنزل و أبقوا فيه و حواليه و على سطحه والمنافذ المؤدية إليه مالا يقل عن خمسمئة جندي مدجج ومن بين من هجموا علينا من يسمون برجال الصاعقة ، هذا غير المروحية الكبيرة التي تحوم على سقف المنزل في منتصف الليل وترعب الأطفال ، وقد أخرجوا من المنزل كل جهاز تلفاز و هاتف وراديو لقطع كل علاقة بينك وبين الخارج ، وعمل فيك العقيد الفلاني ومساعدوه ما عملوا على مرأىمنا جميعا ، و بوجود الأطفال الذين بقوا جميعا – و أصغرهم ذات ثمانية أشهر- تحت الحصار والعدد كاملا تسعة عشر في بيت لايتسع ، فلا نسمع ليلا و نهارا إلا بكاء الأطفال الذين أسموهم بلفظة كتبت على مغلف الخبز الذي أحضروه لنا: (19 مجرما) ، و فوق ذلك كله كنت تقدم للجنود الشاي ، ثم اقتادوك في نهاية الحصار للسجن و في السجن حدثت الأهوال ، فبمعدل شبه يومي كنت تسقط أرضا من شدة الأذى وأحيانا يتم إسعافك بالنقل للمستشفى ، وأحيانا تترك بل و يمنع عنك الدواء ، وقد أفقدوك سمعك في أذنك اليسرى وبقيت تعاني منها حتى لقيت ربك ،و هل تذكر عندما كانوا يوجعون قلبك بإسماعك وأنت في الزنزانة صوت صراخ الشباب و هم يعذبون قريبا منها حتى صرخت بأعلى صوتك : (دعوا أبنائي بسلام ) وكان العقيد و رؤساؤه يقولون لك بأنك أنت السبب و أن خلاصهم بيدك ، أما ماذا فعلوا بك تفصيلا فإن ذلك سيبقى محفورا في داخلي و لن يستطيع أحد محوه إلا أن أدفن ، ويكفي بأنه حتى المقابلة التي بقيت ممنوعة عليك لما يقارب السنة ، فإنها عندما كانت تحدث ، تحول إلى وجبة تعذيب ، تصل مباشرة بعدها للعناية أيضا ، فمن تمزيق ملابسك عليك في وسط الساحة ، إلى وضع أجهزة التصنت في غرفة المقابلة ، وإلى مضايقة الوالدة ومضايقتنا أمامك ، و غيرها مما تفنن به العقيد من أساليب في التنكيل تفننا لا يرقى إليه أحد ، فاستعمل كل الوسائل المألوفة و غير المألوفة ، طمعا في نيل المزيد من الأوسمة لأن إنجازه الذي حققه يوم اعتقالك وبالطريقة التي رسمها للسيطرة على الاحتجاج الشعبي ، جعلت مدير الأمن يقف له إكبارا حيث كانوا متهيبين من تكرار الاحتجاج الشعبي الذي حدث في العام 88 عند اعتقالك فرسموا خطة لتطويق هذا الاحتجاج المحتمل ، أما المسؤول عنها فهو ليس العقيد وحده ، بل من هو أرفع منه و الذي ذكر اسمه – من غبائه – أمامنا عندما سألته عن الاذن بالهجوم و التفتيش ….ولن أنسى ما حييت منظرك في قفص الاتهام ، وحيدا ، و صورتك ساعة النطق بالحكم الجائر :10 سنوات و15 مليون دينار غرامة (إن لم تدفع ،وهي لن تدفع فالشعب بأكمله لايمتلك هذا المبلغ ، فإنها تعوض بالسجن كما قال لك العقيد :سنخيسك إلى الأبد في السجن) أذكرأنك عندما نطق بالحكم تمتمت ساعتها بشفتيك – كما هي عادتك – بدعاء لا أدري ما هو فنحن ممنوعون من الاقتراب منك ، و محاكمتك تمت في أبعد نقطة على خريطة البحرين، ولم يسمح بحضورها إلا إلى أبنائك ، ومع ذلك فقد زود مبنى المحكمة من الخارج بالأسلحة الثقيلة في يوم النطق بالحكم و كأننا نمتلك حتى بارودا ، لم كل ذلك ؟ هل دعوت يوما للفساد ؟ هل كنت طائفيا ؟ عميلا ؟ طامعا في مكاسب شخصية؟ ألم تك صاحب المبادرات والمواقف الوطنية ؟ ألم تعط كل وقتك ونفسك للناس دونما تفرقة؟ ألم تغرق الجميع بحبك وحنانك؟ أبي حبيبي لن ينطفئ لظى فؤادي ، ولن تجف مدامعي حتى ألقى الله وألقاك و يحكم الله بيننا وبين الظالمين .
عفاف الجمري.