أيقونات.. أوراق مغايرة… مع الشيخ الجمري “1”أيقونات

أيقونات

أوراق مغايرة… مع الشيخ الجمري “1”

20-1-2005م

سماهيج -حسين السماهيجي

لم يحظ تاريخ البحرين الوطني، على مر عصوره، بحضور خاص لشخصية متعددة وممتدة مثل شخصية شيخنا الجليل سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري حفظه الله ورعاه. هذا الشيخ الجليل الذي يأسرك بأخلاقه وورعه، وبعلمه الرصين، وبنضاله وتضحياته بنفسه وأهله وماله في سبيل رفعة وطنه وشعبه، وبخصلة الأدب والإبداع التي لم تأت ادعاء كما هي الحال عند آخرين كثيرين… هذا الشيخ استطاع أن يحوز كل تلك الفضائل النفسية والمعنوية، ما جعله أهلا لأن يحل في وجدان أهل هذه البلاد باعتباره الرمز الشعبي الأول، حتى أن شخصيته أخذت شيئا فشيئا لا تحضر إلا عبر البعد الأسطوري بما يختزنه هذا البعد في دواخله وثناياه من جماليات وإشارات لها طاقة كبيرة على اختصار عذابات وتواريخ هذا الوطن الموغل في جروحه حد النشوة والسكر.

وإذا كان الحديث عن الشيخ الجليل فيما يتعلق بغير مجال الأدب والشعر يترك لأهله المختصين به، فإن الحديث عنه فيما يتعلق بالشعر حديث ذو شجون. فقد كان مغرما ولها بالشعر وحديث الأدب. وكثيرا ما كان – حال وجودنا بمحضره بمعية بعض الأصدقاء والإخوان – متوجها إلى هذا الحديث، ومقبلا عليه بكل وجوده وجوارحه، ينشد من أشعاره، ويستمع إلى أشعار الآخرين، ويشارك في النقاش النقدي في الشعر وكتابته بما يترك الجو فواحا بعبق الشعر والأدب الجم، مرجحا شكلانية خاصة في الكتابة والقول، ومجانباً شكلانيات أخرى ربما لم تكن لتنسجم مع ذلك الجنون الجميل بالإيقاع واللغة، والذي خلقته أجواء الحوزة والنجف ومجالسها الأدبية التي كان كثيرا ما يطيل الحديث عنها وعن ذكرياته فيها.

ومن سوانح الذكريات مع الشيخ الجليل، أيضا، ما كان يمنحنا إياه من تشجيع عظيم مع بداية تعلقنا بالشعر وكتابته، وإصراره ودأبه على مواصلة الكتابة مهما تكن الظروف التي يمر بها المرء، وكان يفرح ويزهو حينما يستمع إلى قصيدة جديدة يطرب لها، أو حينما يكشف عن قصيدة جديدة له خطها بيمينه.

ومن الجوانب الأخرى التي تحضر لدي، خصوصا، حال الحديث عن هذا الرجل العظيم، ما كنت كتبته عنه من قصائد وأشعار ذات علاقة بلحظات نضاله وجهاده الملحمية المثيرة، والتي كانت متصلة – أحيانا – بالفرح والإباء، وممتزجة أحيانا بالألم والمعاناة له، ولأبنائه والمتعلقين به وهم أكثرية أبناء هذه الأرض الطيبة من مختلف الاتجاهات والتيارات، والعابرين لحواجز الفئوية والمذهبية المقيتة، وذلك هو الدرس الأهم الذي ألقاه الشيخ المجاهد على أسماع الجميع، وقام بتطبيقه فعلا قبل التصريح به بالقول.

كنت أخاطبه بأبيات من قصيدة كتبتها العام 1996م:

يا واهـب الشعب الأبي وجـودا

                                           ما زادك السجان إلا جودا

يـتـعلم الأحـرار منك إبــاءهــم

                                             وتشع أعينهم فداك صمودا

كتبوا صفاتك في صفاح خدودهم

                                               بالدم والدم منك كان رعودا

وقد ختمت هذه القصيدة بهذين البيتين:

يا أيـهـا الجـمـري هذي أمـــة

                                             وفـت مواثيقا لها وعـهـودا

كتبتك سطر الرفض في تاريخها

                                            ورأتك فيها الشاهد المشهودا

ويبقى، أخيرا، أن هذا الشيخ الجليل رمز لهذا الشعب…

رمز ليس كمثله رمز آخر في عطائه وفضائله وصفاته… وهو قرة عين هذه البلاد، والفرد الذي مازج حبها دمه وروحه…

فيا عبد قيس ألهميني قصيدة

                                          أظل عليها دون كل الورى وقفا

أروح وأغدو لا أني في ادكارها

                                          أسارقها والبيت أخطفه خطفا

أبيت بها وهنا فإن صاح صائح

                                            كررت بها والجرح لما يزل نزفا

فيا شعر هذا جرح شعبي وهذه

                                               قوافيه في من لا أنال له وصفا

بلى! شرف الشعر العظيم بذكره

                                                  وقد أوقد الجمريُّ في قلبيَ الحرْفَ

                         

هذا المقال من صحيفة الوسط