لن أنسى ما حييت يوم وداعك يا والدي .. لن أنسى أبدا ذلك الصباح الحزين عندما فارقت روحك الدنيا … في ذلك الوقت الباكر عندما أخبروني أن وضعك غير مطمئن .. هرعت مسرعة ، و قبل أن تطأ قدماي منزل الأسرة ، سمعت صوت بكاء و نحيب .. توقفت .. شعرت برجفة عظيمة.. خفق قلبي بشدة ، فلم يكن قد استوعب الصدمة… أحقا رحلت يا والدي .. أحقا ذهبت و لن تعود..
عندما رأيت تلك الوجوه الباكية ، لم أصدق و لم أكن أريد أن أصدق أني أعيش لأشهد مثل هذا اليوم … و عندما جيئ بجسدك الطاهر بعد أن غسلوك و كفنوك لنودعك ، و بينما كنت في غمرة حزني و دموعي ، شعرت بصدر دافئ يحتضنني و يخفف من هولي .. شعرت بكف رحيمة تمسح على رأسي .. أحسست بك فعلا معنا .. أحسست أن روحك التي افتقدناها منذ وقت بعيد عادت لتودعنا .. رأيت وجهك المشرق و قد ارتسمت عليه ابتسامتك المعهودة .. و عندما حانت اللحظة الحاسمة لينقلوك ، تعلقت بك .. بكيت بحرقة .. لم أحتمل لحظة فراقك ثانية ..
كان آخر عهد لي بك تلك المكالمة الهاتفية في الليلة التي كانت ستجرى فيها العملية .. لم أكن أعرف في تلك اللحظة أنها المرة الأخيرة التي أسمع فيها ذلك الصوت الحبيب .. لم أكن أعرف أنها لحظة الوداع ، لأراك فيما بعدها تتعذب و تكابد الآلام و الجروح ، التي لم تترك حيزا إلا و شغرته في جسدك المنهك .. شعرت و كأن سكينا تقطعني و أنا أراك و أنت سيد المتحدثين ، لا تملك المقدرة على التحدث .. لتتحول بعد فترة بسيطة إلى مجرد بقايا جسد معاق يشبهك .. كنت أتألم و أنا أرى تلك البقايا الشبيهة بك و لكنها بلا روحك .. بلا دفئك و حنانك الذي اعتدت أن تغمرني به منذ طفولتي … لماذا سلبت منك الحياة حتى هذه البقايا التي كانت تذكرني بك ، و تبث في بصيصا من الأمل في أن أنعم بحضنك ثانية… و في ذلك الصباح المظلم عندما فاضت روحك الطاهرة ، شعرت أنني فقدت جزءا كبيرا من كياني .. جزءا لا يعوض أبدا .. شعرت بالإنكسار و الحزن الشديدين … من ترى سيحتوينا بعد رحيلك .. هل هناك شخص يمتلك هذه القدرة الهائلة على منح الحب و العطاء.. من سيتحسس آلام الفقراء .. من سيمسح الدمعة من عيون اليتامى و المظلومين ، من سيبث فيهم روح الأمل من جديد .. من ترى سواك يا والدي!!
نبراس الجمري