الكتابة من التَّخطيط حتَّى الإنجاز

المقدمة

لقد تعاهدت الأدمغة البشريَّة على أنْ يكون التَّخطيط والهندسة؛ لإنجاز مشروعاتها هو اللَّبنة الأولى في إعداد البناء الرَّاسخ، وقاعدة الانطلاق الثَّابتة التي يقوم عليها المشروع وفق رؤية صانعه، وبقدر ما تكون الخطَّة متأنِّية، وتأسيس القواعد وفق قاعدة صلبة، وهندسة المشروع واعية، ومواد البناء متينة، والأرض المُستثمرَة؛ لتشييد المشروع عليها صالحة كان البِناء مُحكمًا، والفائدة منه عميمة، تتماشى وتطلعات المرحلة التي تَشَيَّد على أساسها.

وتتشارك في روعة الإنجاز هذا بعض الحيوانات كالنَّحل الذي يبني بيوته وخلاياه الشَّمعيَّة وفق هندسة سُداسية رائعة، وإنجاز بديع يتماشى كذلك مع احتياجاته بصورة يعجز عن وصفها البَنَان في دقَّة وإحكام؛ ليحصد غذاءه، ويحفظ رحيقه، وينتج عسلَه السَّائل اللَّزج ﴿… شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ …﴾([1])، في خليَّة إبداعية الصُّنع لا يتسرَّب منها مقدار قطرة!

وما روعة التَّخطيط، وحسن الهندسة، ودقَّة قواعد البناء سوى مؤشِّر نابِض على إنجاز رصين متين، ومن هنا، فإنَّ أيَّ مشروع يقوم على هذه الأسس، ويبني استراتيجيَّته على هذا النِّظام ستكون نتائجه حافلة بالنَّجاح، ولذا فإنَّ إنشاء مقال، أو بحث علميِّين لا بدَّ أنْ يخضعا إلى عمليَّة تخطيط، وهندسة كتابيَّة حتَّى يأتي المقال أو البحث بنتائج طامحة مرجوَّة.

 

مشروع عطاء الكتابيٍّ

كغيرها من المشاريع الواعدة، قامت (عطاء للدَّراسات والبحوث العلميَّة الحوزويَّة) بخطِّ طريقها؛ لإنجاز مشروعها الكتابيِّ البنَّاء، وتشييد كيانها من أجل شحْذ انطلاق الأقلام من عقالها في بيئة علميَّة حوزويَّة فاعلة بالتَّفكير الجادِّ، والعمل الدَّؤوب بإعداد خُطَّة عمل؛ للوصول إلى الأهداف، وتحقيق الآمال في جوٍّ علميٍّ متَّزن، ومناخ فكريٍّ مُستدام.

  • مِعْيَارَا الكتابة في اختيار الموضوع الحوزويِّ

 حتَّى تأتي الكتابة أُكُلَها لا بدَّ من معيارين في اختيار الموضوع في الأبحاث الحوزويَّة – سواء في المقالة العلميَّة، أم البحث العلميِّ -، وهما:

المعيار الأوَّل: الشُّموليَّة والعُمق

حيث إنَّ الباحث في العلوم الدِّينيَّة مسؤول عن تقديم إجابات يعزوها لفهمه الدِّينيِّ، ويمكنها تقديم نقدًا، أو تقويمًا، وتصحيحًا، أو إبداعًا يُسهم في تزويد المعارف البشريَّة بالجديد والمفيد.

المعيار الثَّاني: قُدرة الباحث، وتمكُّنه

حيث يتوقَّف اختيار موضوع الدِّراسة على شغف الباحث نحو موضوع الدِّراسة، وقدراته، وإمكانيَّاته في الإسهام بتقديم حلول أصيلة للمشكلات النَّظريَّة المعرفيَّة، أو العمليَّة التَّطبيقيَّة القائمة والمتوقِّفة على يقظته، وبصيرته، ووعيه في معرفة التَّزييف، والاجتزاء، والمغالطة، وتشويه المعاني، وتحريف الكَلِم عن مواضعه.

ولقد تمَّ تطبيق هذه الخطَّة المعياريَّة، ودراسة ثمراتها على شريحة من الكتابات على مستوى:

أوَّلًا: المقالة العلميَّة

والمقالة العلميَّة في الحوزة، هي نوع من الكتابة ذات الأبعاد العلميَّة المنهجيَّة التي تتناول موضوعًا محدَّدًا، غرضه بيان حقيقة ما للقارئ، من خلال استعراض البَراهين المبنيَّة على أساس علميٍّ صحيح، بحيث يُكلَّف الطَّالب في مرحلة المقدمات، بمعدَّل مقال لكلٍّ فصل دراسيٍّ، فيبدأ عندها باختيار الموضوع الذي يتوافق مع الدِّراسة الحوزيَّة، ويحوز على ميوله واهتماماته الشَّخصيَّة، وقريبًا من قلبه ونبض عطائه، ويتلاءم مع قدراته في التَّنفيذ، ولا بدَّ أنْ يتوفَّر المقال الذي يقوم بإنشائه على قواعد الانطلاق، وأُسس البناء التَّالية من كتابة مقدمة تتضمَّن أهداف المقالة، مع مخطَّط مُنَظِّم لها، ومحتوى مكوَّن من فقرات ذات تسلسل منطقيٍّ، يتضمَّن أدلَّة علميَّة،وخاتمة واضحة لِمَا جاء في المقالة، واستعراض نتائج المشكلة المقاليَّة، والتَّقدُّم بتوصيات وغايات خَلُصت لها تلك المقالة.

أُسس انطلاق المقالة العلميَّة

وانطلاق المقالة في الأساس يقوم على قاعدة من الأهداف السَّامية؛ بُغية الوصول إلى الحقيقة، ولذا يكون العمل جادًّا في الكشف عن أبعاد قضيَّة ما، وموضوع معيَّن، والقيام بالرَّبط بين مجموعة المواقف التي تتعارض معًا بالرَّأي، مع طرح كافَّة الجَدَلَيَّات التي اهتمَّت بهذه الدِّراسة، وكيفيَّة صياغتها صياغة علميَّة تتوافق مع طبيعة الإنجاز، وبذْل الوسع على توضيح حقائق محدَّدة منظورة، بتفصيلها وبيان عناصرها، وتصحيح أخطاء في الفهم، وتأكيد حقائق معيَّنة، والمقارنة بين نَهجين، والعمل على تقييمهما، وذِكْر أوجه التَّشابه والاختلاف بين عناصر المقارنة، وإبراز حلول علميَّة وملموسة لمشكلة ما، أو معالجة إشكاليَّة وشُبهة مستعصية، وذلك بإجلاء الحقيقة عن الآثار المترتِّبة على قضيَّة معيَّنة، أو الأسباب وراء ما حدث، وتبرير ذلك علميًّا وفي قالب ناضج.

الإطار الزَّمنيُّ لكتابة المقال هو الفصل الدِّراسيُّ الواحد

من أجل إنجاز وازِن يتمَّ التَّنسيق لخطوات كتابة المقال مع أُستاذ مُشرِف، وذلك في أوَّل أسبوعين من بدء الفصل الدِّراسيِّ الحوزويِّ، مع متابعته التَّنفيذ متابعة حثيثة، على أنْ يسلِّم الطَّالب المقالة جاهزة بعد شهرين من بدء العام الدِّراسي، مع مراعاة شروط إنجاز المقالة بشكل مطلوب، بحيث تكون مكتوبة بجهاز الحاسوب الإلكترونيِّ، واعتماد خطِّ (simplified Arsbic)، بواقع حجم الخط 14، على أنْ يكون طول محتوى المقال لا يقل عن 10 صفحات، ولا يزيد على 15 صفحة، باستثناء احتساب المراجع، والمصادر، والفهارس، والملحقات من عدد تلك الصَّفحات المضبوطة بين الأقل والأكثر، على أنْ تُهيَكْل صفحات المقال وفق ترتيب يُبرز الكاتِب بدءًا بأهمِّ المعلومات أوَّلًا – أي الفكرة الرَّئيسة التي سيدور حولها المقال -، إذ تُشكِّل هذه منصَّة انتقال من الفكرة السَّابقة إلى الأفكار الجديدة، مع تجذير عرض البراهين، والأدلَّة، والحُجج الدَّاعمة للفكرة الرَّئيسة، بالإضافة إلى الأمثلة والبيانات، وكلِّ ما يُساهم في شرح الفكرة، وتوضيحها، وتثبيتها، لتأتي – بعد الشَّوط الشَّاقِّ في إعمال الذِّهن، وطُريقة تأدية الشَّحْذ الذِّهنيِّ لإنتاج مترابط الأداء – الخاتمةُ؛ لتلخِّص، وتجمع الأفكار، وتُبيِّن كيف أنَّها تؤكِّد الفكرة الرَّئيسة، ثمَّ استخلاص النَّتائج، وآخرها ذِكْر التَّوصيات ذات العلاقة بالمشكلة المقاليَّة.

ثانيًا: مُوازاة الرِّسالة والأُطروحة

كانت المقالة تلك تنهض ببعض أعباء مرحلة مستوى المقدِّمات، أمَّا في مستوى السُّطوح، فمن المهمِّ جدًّا أنْ يُكلَّف الطَّالب بكتابة ما يوازي ويُعادل:

الأوَّل: الرِّسالة

وذلك في مستوى السُّطوح العُليا، وهو المستوى الذي يكون في أواخر الدِّراسة ضمن المتون العُليا ذات المادَّة العلميَّة المركَّزة، وذلك بتقديم بحث طويل، بين 150 صفحة، ولا يزيد على 250 صفحة؛ لنيل درجة علميَّة عالية، بإشراف أَساتذة متخصِّصين ومتمرِّسين، بحيث يتناول فيه موضوعًا يستحقُّ الدِّراسة، ويتوخَّى فيه البحث عن الحقيقة واكتشافها، وإثراء المعرفة في جوانبه، ومدَّتها بين سنتَّين إلى ثلاث سنوات.

فمن خلال عمله في ما يوازي الرِّسالة فيما لو اختار تحقيق كتاب ما لأحد العلماء، فإنَّ أوَّل خطوة يقوم بها هي اختيار موضوع يُشكِّل أهمِّيَّة، وله بصمة في الحياة العلميَّة، وشاءت الأقدار أنْ يكون منأى زمنًا معيَّنًا عن التَّناول والتَّداول، فيعمد إلى اختياره، والعمل عليه بحدٍّ بأنْ يقوم بتصحيح أخطائه اللُّغويَّة، وإثرائه علميًّا بما يخدمه بتعليقات وحواشٍ تُسهم بشكل كبير في إحيائه، وجعله يأخذ حياته وطريقه في مصافِّ الكتب المعرفيَّة الأُخرى، مع مقدمة تشرح ما تمَّ القيام به، ودواعي الاختيار، مع ترجمة للمؤلِّف، وأهم مميِّزات الكتاب.

الثَّاني: الأطروحة

 وذلك في مستوى البحث الخارج، وهو المستوى الذي لا يعتمد مَتْنًا معيَّنًا، بل ينطلق فيه المدرِّس من طرح مادَّته وفق ثمرات من حصاده العلميِّ المتراكِم، والاستدلال عليه علميًّا، ويبحث الطَّالب مشكلة بحثيَّة تُوازِي درجتها درجةَ الأطروحة (الدكتوراه)، وهذا البحث لا يقلُّ عن 250 صفحة، ولا يزيد على 350 صفحة، ومدَّتها بين ثلاث سنوات إلى خمس سنوات!

ومن خلال العمل على إنشاء بحث يوازي الأطروحة، يبدأ الطَّالب بتشييد خارطة العمل مكتوبة، ومفصَّلة لِما يعتزم القيام به، ومراجعة خطَّته مع المشرف، وبعد إقرارها يبدأ بجمع مادَّته العلميَّة من المصادر والمراجع المعتمدة، والقراءة الفاحصة والمتأنِّية معتمدًا أسلوب النَّحلة في انتخاب الرَّحيق الذي تصنع منه العسل المفيد، وكذلك الباحث ينتخب الموضوع والمصادر التي على أساسها يستلُّ منها معلوماتها المفيدة؛ ليصنع منها بحثًّا مفيدًا يفيد به نفسه، وأُمَّته، ويُعزِّز مكانة دينه، وشموليَّته لمناحي الحياة.

وبعد أنْ تكتمل الخارطة وفق هندسة متينة، يبدأ العمل الدَّؤوب، فيكرِّس جهده، وجلَّ وقته إلى سبر أغوار المصادر كما الغوَّاص يبحث عن اللُّؤلؤ في أعماق البحار، وهو يبحث عن الحقيقة في أعماق الكُتب مُكلَّلة بالبرهان والدَّليل، ونظْمها في قالب كتابيٍّ يبرز من خلاله ما تمَّ تشييده من فرضيَّات مُسبقة، ويعمل جاهدًا على استنطاق مواضع الاستدلال بطريقة حجاجيَّة واضحة تعتمد الأسلوب العلميَّ الهادف، مع إثراء ثَرٍّ يُخرج الحقَّ من مكامنه، ويُفتِّق أكمامه؛ ليكون مَعلمًا يانعًا باسقًا في عطائه؛ ليخلص بعدها إلى النَّتائج التي استقاها من خلال بحثه، وما الذي اكتشفه أبَّان عمله المُضنِي، فينتهي به المَطاف إلى التَّوصيات التي تحثُّ على نقطة المواصلة من قبل باحث آخر إذا رام البناء على النَّتائج المقدَّمة إليه من خلال هذا البحث، ثمَّ ينتهي به المطاف إلى الخاتمة؛ ليسدل بها ستار بحثه.

من أغراض البحث العلميِّ الحوزويِّ

ينحدر البحثُ الحوزويُّ من سُلالة البحوث العلميَّة التي تتَّسم بتقديم المادَّة المُتقنة، ذات الدَّلالات الموجَّهة، والبوصلة التي لا تنحرف عن قِبلتها ووِجهتها، وهي الاغتراف من منابع الدَّين، واستلهام مقاصد الشَّريعة، وتقصِّي روافد الإبداع الحوزويِّ الذي يُبلوِر الحقائق، ويشفعها بالدَّليل النَّاهض، ويُؤطِّرها بالمعلومات المُفعمة بالشَّواهد الدَّالَّة على إثبات المطلوب،  والمساهمة بشيئ جديد، وبما أنَّ البحث في الحاضِرة العلميَّة (الحوزة)، له امتداداته، وآليَّاته، فله أيضًا أغراضه التي لا تنفكُّ هي الأخرى عن رَسْم بصمة العلم، وتأصيل معارف الحوزة، وتجذير التُّراث المضيئ، وإخراجه بصورة تُحاكي لغة العصر، إذ أنَّ جذوره تمتدُّ من العمق الموروث من عطاء الآل (عليهم السَّلام)، حتَّى أبعد نقطة في رحاب الكون الفسيخ.

فمن تلك الأغراض للبحث العلميِّ الحوزويِّ – بشكل إجماليٍّ -، هي: البيان، والتَّفهيم، وشرح الغامض، أو التَّعليق المُثرِي ضمن خطوط البحث العريضة، أو تسهيل وتذليل الوصول إلى المعارف بشكل واضح دون الإخلال بهدف البحث، أو تشمير السَّواعد لجمع المتفرِّقات في محور واحد، أو الإسهام في اختصار المطوَّلات مع البقاء على الفكرة الأساس، أو إعادة بيان ترتيب البحث بصورة جديدة تتلاءم ومعطيات العصر مع الحفاظ على روحه المعرفيَّة، أو تهذيبه وتنظيم المبعثر المختلَط فيما لو حدث ذلك من الأساس، أو التَّصويب والتَّقويم، وتصحيح الخطأ فيما لو صدر آنفًا في ظروف لم تُساعد على تنقيحه وغربلته، أو إتمام النَّاقص منه حيث تعرَّض لبعض النقاط إجمالًا، مع أنَّ طبيعة الموضوع تقتضي بسط الحديث عنها، أو تدوين تاريخ المساهمات، وتفتيق العلوم، أو إنشاء المستدرَكَات الرَّافدة له، أو الإبداع والمساهَمة بشيئ جديد يطوِّر من عمليَّة انتشار البحث على نطاق واسع.

شروط إكمال البحث

من أجل أنْ يكون البحث متكاملًا لا بدَّ أنْ تتوافر الأجواء المناسبة، والمناخ الفاعل في عمليَّة الإنتاج السَّليم، وذلك من خلال: توافر الوقت الكافي وصحَّة إدارته إدارة محكمة، وتوافر المصادر والمراجع التي يتشيَّد البحث على أساسها، والقيام بالدِّراسات الميدانيَّة لو فرض البحث القيام بها، وتوفير النَّفقات الماليَّة، واستتاب التَّمويل الكافي؛ لإكمال البحث وإخراجه، وتهيئة البيئة المُنتجَة الفاعلة، مع رسم الهدف المنشود بتخطيط وعناية وفق رؤية متينة حتَّى الإنجاز السَّليم، وامتلاك الجانب الأخلاقيِّ الذي يهدف إلى إثراء الحركة العلميَّة الرَّامية إلى ارتقاء المجتمع بفكره وثقافته، وتعزيز موارد تراثه وحضارته.

مقترحات البحث الموازِي

قد خُصِّصت هذه المرحلة من البحثين المُوازِيين – إضافة إلى تقديم بحث علميٍّ حوزويٍّ ضمن امتداداته وحقوله المتنوِّعة بالمجالات العلميَّة الحوزويَّة ذات العمل البنَّاء – بشكل مركَّز لـ:

  1. ترجمة مخطوط لعالِم.
  2. عرض كتاب ببيان آخر في ثوب جديد.
  3. تقديم الأبحاث الميدانيَّة التي تُعنى بتشخيص الموضوعات ذات الاهتمام.
  4. دراسة مقارنة سواء لمذهب واحد، أم عدَّة مذاهب، وسواء لدين واحد أم عدَّة أديان.
  5. تعليقة على مؤلَّف، وتقييمه مع المؤلِّف.
  6. المناقشة والرَّدُّ على الشُّبهات، والمغالطات ضمن خندق اهتمامات الباحث.
  7. رصد التَّطوُّرات الفقهيَّة، وأنَّ الفقه فقه الحياة يعطي الحكم الشَّرعي مع تطوُّر سبل الحياة، واختلاف مستجدَّاتها.
  8. إعداد دراسات تطبيقيَّة لتشخيص الموضوعات.
  9. تحويل متن دراسيٍّ من لغته الصَّعبة إلى لغة تصلح للمثقَّف، والقارئ العام.
  10. كتابة بحث علميٍّ يضع فرضيَّة، ويثبتها؛ لتكون مبنًى في علم من علوم الحوزة.
  11. دراسة موضوع ضمن فِكر أحد الأعلام.

ويُعدُّ هذان المستويان الموازِيان اختبارًا قويًّا لقُدرات الباحث على القيام بالأبحاث المستقبليَّة دون أيِّ مساعدة من أحد، كما أنَّ هذين البحثين الموزِايَيْن يقدِّمان معلومات جديدة في موضوع ما، أو مشكلة بحثيَّة لم يتمَّ دراستها من قبل؛ وذلك للمساهمة في تقدُّم العلم، وتطويره.

وخلال هذين البحثين المُوازِيين تُقدَّم خطَّة أوَّليَّة؛ ليتمَّ مناقشتها، فإذا تمَّت مع المشرف عمل الطَّالب على إنجاز البحث، وهي تشمل: عنوان البحث الذي يشرح الموضوع، والمقدمة: التي لا تتجاوز صفحتين، بحيث تحتوي على الأفكار العامَّة، وتستعرض سريعًاالدِّراسات السَّابقة للمشكلة المبحوثة، وأهمِّيَّتها، ولماذا اختارها، وتحديد المشكلة، وفَرْض الفَرَضِيَّات التي يمكن من خلالها الحصول على الهدف والنَّتيجة المتوخَّاة، التَّعريف بأهمِّيَّة البحث، بحيث يوضِّح الأسباب التي جعلته يختار المشكلة، وما هي الفائدة من حلِّها، وما أهمِّيَّة حلِّها بالنِّسبة للمجتمع، مع تحديد المنهج الذي سيسير عليه في معالجة المشكلة، ككونه منهجًا وصفيَّا – مثلًا -، أو تحليليًّا، أو غير ذلك، مع احتواء البحث على ثلاثة إلى أربعة أبواب مقسَّمة إلى فصول متساوية، ثمَّ تقديم التَّوصيات، والنَّتائج، والخاتمة، مع رصد فهرس المراجع والمصادر في آخر البحث، ويليه ثبْت عناوين الموضوعات (الفهرس)، كما يدرج – ضمن قائمة الفهارس – التَّراجم التي احتوى عليها البحث كتراجم: الأعلام والشَّخصيَّات، والأماكن، والبلدان، وما يتناسب وموضوع البحث والمعلومات التي يحتوي عليها.

شروط كتابة ما يُوازي الرِّسالة والأطروحة

وحتَّى يُقبلَ البحث الموازيُّ، يجدر به أنْ يتحلَّى بعدَّة شروط، كأنْ يكون بحثه مفيدًا وعلميًّا، وأنْ يتحقَّق الباحث نفسُه ويتأكَّد من صحَّة النَّتائج بعد تحليلها، كـصحَّة الدِّراسات السَّابقة التي عاد إليها خلال رسالته، وكون المراجع التي قام بالرُّجوع إليها قد تمَّ توثيقها بشكل علميٍّ وصحيح، كما يجب في البحث أنْ يتأكَّد من الأهداف التي يطرحها في البداية، ويقارن الباحث بين نتائج دراسته ونتائج الرَّسائل السَّابقة، ويقوم بكتابة ملخَّص يبيِّن أهمِّيَّة الرِّسالة، والنَّتائج التي تترتَّب على تطبيقها .

معايير كتابة ما يُوازي الرِّسالة والأطروحة

حتَّى يضمن الطَّالب اجتياز البحث الموازي بصورة سليمة من دون عقبات يجب عليه الالتزام بالأمانة العلميَّة، فلا يقتبس دون أنْ يوثِّق؛ لكيلا يسرق مجهود الآخرين، والحرص على ألَّا تتجاوز نسبة الاقتباس النِّسبة المسموحة، والتَّحلِّي بالموضوعيَّة، فلا ينحاز إلى رأيه ويهمِّش باقي الآراء، وكون أسلوبه أسلوبًا واضحًا خاليًّا من الأخطاء اللُّغويَّة – نحويَّة، بيانيَّة، إملائيَّة، صرفيَّة -، مع استخدام الجُمل القصيرة ذات الدَّلالة على المعنى، والالتزام بخطَّة التَّنسيق المعتمدة المُعلنة له سلفًا.

وسائل النَّشر المتاحة

بعد أنْ تتمَّ مناقشة كلًّا من المقالة العلميَّة، والبحث الموازي للرِّسالة والأطروحة مناقشة علميَّة، ويتمُّ تصويب ما جاء فيها، وتعديل الملاحظات الواردة عليها يمكنها أنْ تأخذ طريقها للنَّشر بإحدى الوسائل المتاحة، وذلك إمَّا بنشرها مطبوعة ورقيًّا، وإمَّا عن طريق الموق الإلكترونيِّ الخاص، وهو موقع عطاء للدِّراسات والبحوث الحوزويَّة.

النَّتائج

ما من زبدة إلَّا ولها مخاض، وزُبدة مخاضٍ هذا المقال تتمثَّل في عدَّة نقاط، وهي:

  • بناء المقالة أو البحث العلميَّين كأيِّ بناء آخر يحتاج إلى هندسة خارطة، وعمل دؤوب للإنجاز.
  • تشييد مشروع (عطاء للدَّراسات والبحوث العلميَّة الحوزويَّة) لَبِنة أُخرى فاعلة في طريق صقل القلم، وإنتاج فكرٍّ أصيل من رحاب الحوزة.
  • انتخاب الموضوع واختياره، والكتابة فيه يخضع لمعايير تضمن سلامة الانطلاق، وضمان النَّتيجة المتوخَّاة.
  • المقالة العلميَّة إحدى سُبل التَّعبير عمَّا يجول في الفكر، وأداة لاستفراغ الهمَّة في تحقيق موضوع ما بأدلَّته وفق نظام سليم يُفضي إلى نتائج تُعالج المشكلة المقاليَّة بصدق وأمانة.
  • ما موازاة كلٍّ من الرِّسالة والأطروحة سوى مشروع ناهض يبحث بوسائل علميَّة بشكل أوسع مشكلة ما، ويعمل على تنضيجها، وسبر أغوارها؛ للوصول إلى أفضل الحلول النَّاجعة والنَّتائج السَّليمة وفق انطلاقة قائمة على حسن الاستشهاد، وتقديم الدَّليل، وذَكاء الحِجاج.
  • رسْم الأغراض البحثيَّة، والسِّباحة وفق فَلَكها؛ لتأصيل المفاهيم، وزرْع نواة العطاء في طريق التَّحصيل المعرفيِّ الجاد.
  • التَّحلِّي بثوابت الإبداع الحوزويِّ، ضمن مناخ فاعل في عمليَّة الإنتاج السَّليم على صعيد قاعدة الحافز الذي أرساه آل البيت (عليهم السَّلام): «إذا كان يوم القيامة جمع الله (عزَّ وجلَّ) النَّاس في صعيد واحد ووضعت الموازين فتُوزن دماء الشُّهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشُّهداء».([2])
  • العمل على حرْث، وغِراس فنون الحاضرة العلميَّة، وبلورتها على السَّاحة العمليَّة العلميَّة.
  • التَّوصيات
  • استثمار الوقت، وانتهاز الفُرص – حيث: «…، الْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ»([3]) – بتحرير القلم من عقاله؛ من أجل النُّهوض بأعباء البحث، وتوصيل الحقيقة لناشِديها مهما كانت الطُّرق وعِرة.
  • العمل على تنمية القُدُرات والطَّاقات الإبداعيَّة، وصقلها في بوتقة الفنون الحوزويَّة انطلاقًا من الولاء للخطِّ والمدرسة والمنهج الذي نؤمن به جميعًا بأنَّه طريق من الطُّرق التي تُرسِي دعائم الدِّين، وإعلاء كلمته.
  • كسر حاجز الرَّتابة، والدَّوران في حلقة التَّلقِّي المعرفيِّ فحسب، إلى الخروج من تلك الشَّرنقة بالسَّير الحثيث في بلورة المعرفة عمليًّا، والتَّوسُّع في دائرة العطاء، إذ أنَّ من زكاة الشَّحن الحوزويِّ المترامي هو توظيف تلك العلوم في مَنَاحٍ شتَّى، ومنها صبُّها في قَوالب المقالات والبحوث النَّاضجة الهادفة خدمةً للدِّين، وتنويرًا الأُمَّة.
  • إنعاش السَّاحة المعرفيَّة، وضخُّ المعارف الحوزويَّة بين وسط الكمِّ الهائل اليوميِّ الذي يَصدر أشتاتًا من هنا وهناك، وذلك بتعريف الآخرين من جهتين: من جهة ما تحتضنه الحوزة من معارف سامية، وعطاء فكريٍّ فعَّال، ومن جهة أُخرى ما تكنُّه من هَمِّ المحافظة على القاعدة المجتمعيَّة التي تُؤمن بالدِّين، وذلك بتعليمها أنَّه ما من معضلة ومشكلة بحثيَّة إلَّا ولها حكم، ومرسَى في الإسلام.

 

الخاتمة

إنَّ مهنة الكتابة، والعمل على تنضيج القلم ضمن محطَّات راسية ترشِّد الفكر، وتبلور الحقيقة بألوان مختلفة جذَّابة هي خدمة للوعي الدِّينيِّ، ذلك لأنَّ الإسلام يحتاج إلى تعبيد الطَّاقات من قِبل أبنائه، وضخِّها ضمن قنوات تمتلك العَتَاد والعُدَّة، وخوض الطَّريق الشَّاق الذي عبَّر عنه القرآن الكريم: ﴿… وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ …﴾([4])؛ من أجل التَّسليح المعرفيِّ، والحفاظ على الموروث الذي أركز دعائمه أهل البيت (عليهم السَّلام)، ومشيًا وفق خطِّ الدَّعوة، وتبليع الرِّسالة المحمَّديَّة من رحاب أسمى الحواضر العلميَّة التي أخذت على عاتقها منذ التَّأسيس الأوَّل النُّهوض بأعباء الدِّين، والأخذ بيد الأُمَّة نحو المعين العذْب كتغذية راجعة؛ كيلا تحيد عن الصِّراط المستقيم الذي رسمه القرآن الكريم، وأهل بيت العصمة والطَّهارة بـ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ …﴾.([5])

[1] – سورة النَّحل: الآية 69.

[2] – الفيض الكاشاني: الوافي 1/145، عني بالتَّحقيق، والتَّصحيح، والتَّعليق عليه، والمقابلة مع الأصل: ضياء الدِّين الحسيني (العلَّامة) الأصفهاني، الطَّبعة: الأولى، سنة الطَّبع: 1406 ه‍ــ، المطبعة: طباعة أفست نشاط أصفهان، النَّاشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السَّلام) العامَّة، أصفهان – إيران

[3] – ما اختاره الشَّريف الرَّضيُّ: نهج البلاغة، الصَّفحة 471، ضبط نصَّه وابنكر فهارسه العلميَّة: الدكتور صبحي الصَّالح، من منشورات: دار الهجرة، قم – إيران.

[4] – سورة الأنفال: الآية 7 – 8.

[5] – سورة آل عمران: الآية 19.