فضل العلم والعلماء

المقدمة:

كثيرًا ما يُسأل طالب العلم: متى ستنهي الدراسة؟ أو متى سترتدي العمامة؟ أو من أين مصدر رزقك؟ أو لماذا لا تتخذ عملًا ما؟ أو لماذا لا تدرس في الجامعة؟ وغيرها من الأسئلة، وسببها هو عدم المعرفة الكافية بالحوزة العلمية، ولذا فالمقال هذا يحاول أن يجيب هذه الأسئلة، فيرفع بعض التصورات الخاطئة، ويوضح أمورًا تغيب عن أذهان البعض، وقد استفدت أغلب ما في المقال، من أساتذتي ومشايخي، ولذلك آمل أن يؤدي المقال غرضه، بتعريف المؤمنين بالحوزة، وأن يشجع من لديه القابلية على أن يسلك هذا الطريق، لأن أحد أسباب الإعراض عنه، هو الجهل بما فيه، فيتجنب الإنسان الطريق الغامض، رغم أنه قد يكون طريقًا محفوفًا بالخير والبركات، وقد أكون في هذا المقال قد حققت غرضي فذاك من توفيق الله، وإن أخطأت أو قصّرتُ فمن نفسي، والحمد لله رب العالمين.

فضل العلم والعلماء:

أولًا: فضل طلب العلم

قد تواترت الروايات عن أهل البيت في فضل العلم وأهميته، نذكر ما تيسر منها، والمطلوب أن نضعها نصب أعيننا؛ حتى نعمل بها ونسعى أن نعطي العلم حقه: روي عن رسول الله –ص- أنه قال: “طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم، ألَّا إِنَّ اللهَ يُحِب بغاةَ العلم”،[1] وروي عنه –ص- قوله: “بالعلم يُطاع الله ويُعبد وبالعلم يُعرف ويوحد وبه توصل الأرحام ويُعرف الحلال والحرام والعلم إمام العقل”،[2] وعن الإمام الصادق –ع- أنه قال: ” عليكم بالتَّفقُهِ في دينِ الله ولا تَكُونوا أَعْرَابًا، فإنِّهُ مَنْ لَمْ يَتَفقهْ في دين الله لَمْ يَنْظر الله إليهِ يوم القيامة، ولَمْ يُزكِّ له عملًا”،[3] وعنه –ع-: “إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين”،[4] وروي عن الإمام السجاد –ع- قوله: “لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج”.[5]

وقال الشهيد الثاني –قده- تعقيبا على الآيات هذه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)}(القلم): “فتأمل كيف افتتح كتابه الكريم (…) بنعمة الإيجاد ثم أردفها بنعمة العلم، فلو كان ثمة نعمة بعد نعمة الإيجاد هي أعلى من العلم لما خصه الله تعالى بذلك…”.[6] وقال الشيخ ناصر مكارم –دام ظله- في الآية ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾(التوبة:122): “لا شك أن المقصود من التفقه في الدين هو تحصيل جميع المعارف والأحكام الإسلامية، (…) فإن هذه الآية دليل واضح على وجوب توجه فئة من المسلمين وجوبًا كفائيًا على الدوام لتحصيل العلوم في مختلف المجالات الإسلامية…”.[7]

وبهذا يتضح دون ريب أهمية طلب العلم وفضله عند الله، وكيف أن الشريعة الإسلامية حرصت على الحث عليه.

ثانيًا: فضل العلماء

كما عظَّم الإسلام من فضل العلم، فقد عظم أهله من العلماء، ومن ذلك ما ورد عن الإمام الباقر –ع-: “عالمٌ يُنْتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد”،[8] وعن الإمام الصادق –ع-: “علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب، إلا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة؛ لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم”[9] وهذا الحديث يشير لعظم المسؤولية الملقاة على العالم، وهي من أسباب حصوله على المكانة العالية عند الله، ولذلك ورد أيضًا عن الإمام العسكري –ع-: “فضل كافل يتيم آل محمد، المنقطع عن مواليه، الناشب في رتبة الجهل، يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه، على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السُّها[10]“،[11] وهذا الحديث يوضح مدى حرص أئمة أهل البيت على إرشاد عامة شيعتهم لمعرفة معالم دينهم، ولا يصلح لهذه المهمة إلا العلماء الصالحون، وقد ورد عن الرسول –ص- أيضًا قوله: “رحم الله خلفائي” قالوا: وما خلفاؤك؟ قال: “الذين يحيون سنتي، ويعلمونها عباد الله، ومن يحضره الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام، فبينه وبين الأنبياء درجة”،[12] وورد عن الرسول –ص-: “إذا كان يوم القيامة وُزِنَ مِداد العلماء بدماء الشُّهداء، فيُرَجَّحُ مدادُ العلماء على دماء الشُّهداء”.[13]

ولا بد من التنويه أن لطلب العلم شروطًا وآدابًا أهمها الإخلاص لله، ونحن مكتفون بما ذكرناه، وعلى من يريد الاستزادة مراجعة مظان ذلك.[14]

تعريف بالحوزة العلمية:

أولًا: مصطلح الحوزة

الحوزة في اللغة من مادة ح و ز، وهي بمعنى الناحية، ويقال حوزة المُلْك أي بيضته.[15]           أما من ناحية الاصطلاح فهو اصطلاح خاص بالشيعة الإمامية، وعادة يكون أوضح من أن يُعرّف عندهم، يطلق على الأماكن التي تدرس العلوم الدينية وتخرج علماء الدين الشيعة، وقد عَرَّف البعض الحوزات بأنها: “المراكز الدراسية التي تتخصص بعلم الفقه والعلوم الأخرى التي تدرس إما كعلوم مساعدة للتخصص في علم الفقه (…) أو علوم أخرى ملابسة لعلم الفقه يتطلبها الظرف أو الوقت؛ كعلم التفسير –مثلا- وكالفلسفة الإسلامية، وما شاكل هذين الحلقين من المعرفة”،[16] وكثيرًا ما يستخدم هذا المصطلح على هيئة المركب الإضافي فيقال: حوزة الدين أو على هيئة المركب الوصفي فيقال: الحوزة الدينية، ومع ملاحظة المعنى اللغوي يكون المعنى هو بيضة الدين، على اعتبار أن الحوزات وعلمائها هم الأساس في حفظ بيضة الدين، وربما يصلح أيضًا أن يكون بمعنى ناحية الدين، لأن الدين يَعْرِفه العلماء وهم من يُعرّفون الناس بالعقائد الحقة وفروع الدين، فالدين ومعارفه موجودة في ناحية هذه المدارس الدينية هذه.

ومن الواضح أن تعليم معارف الدين ابتدأ مع رسول الله –ص-، إذ يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا منْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الجمعة:2) إذ كان المسجد هو المكان الرئيس لتعليم المسلمين، وفي عهد الإمامين الباقر والصادق-عليهما السلام- ازدهرت الدراسات الدينية حتى عَدّتْ كتب السيرة العديد من الخصائص والمميزات للجامعة التي أسساها،[17] ولا نريد الإسهاب في الكلام عن تاريخ الحوزة وكيف تطورت مع الأعلام المختلفين، فمن أراد التوسع يمكنه مراجع كتب سير العلماء وما كتب عن تاريخ الحوزة.[18]

ثانيًا: مراحل الدراسة في الحوزة

تقسم الدراسة في الحوزة عادة إلى المقدمات والسطوح والبحث الخارج، والبعض يقسم السطوح إلى السطوح الدنيا والسطوح العليا، ولا بأس بتبيان بعض ما يدرسه الطالب في هذه المراحل:

  • مرحلة المقدمات: لا توجد مدة محددة ينتهي الطالب فيها من هذه المرحلة، وذلك لأن مدة اجتيازها تعتمد على ثلاثة أركان متغيرة ولا تكون ثابتة عادة، الأول: هو الأستاذ، فالأستاذ إن كان سريعًا فقد ينتهي الطالب من المقدمات في سنتين وإن كان بطيئًا وكثير الاستطرادات فقد يحتاج الطالب لأكثر من خمس سنوات، والركن الثاني هو الطالب، إذ كلما حافظ الطالب على الحضور والتحضير، فلن يحتاج الأستاذ لزيادة الشرح على المعتاد، وكلما قلت المداخلات الجانبية من طرف الطالب سار الدرس سيرًا أكثر سرعة، كما أنه إن أخذ دروسًا أربعة كان ذلك أسرع لاجتياز هذه المرحلة مما لو أخذ درسًا أو درسين في اليوم، أما الركن الثالث: فهي الظروف الخارجية التي لا تكون تحت السيطرة عادة، فمثلا مع جائحة الكورونا قد تأخرت العديد من الدروس في سيرها، فهذه الأركان الثلاثة إن كانت على أفضل حال فقد ينتهي الطالب من المقدمات في سنتين، وطبعا لا ننسى أن نلاحظ الفرق بين الدراسة في البلد والدراسة في الحواضر العلمية الرئيسة (قم والنجف) فهناك عادة ما تكون الدراسة أكثر سرعة.

وفي مرحلة المقدمات يدرس الطالب كتب النحو مثل شرح الآجرومية[19] وشرح قطر الندى وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك[20] وكتاب المغني البيب عن كتب الأعاريب.          ويدرسون كتب البلاغة العربية مثل كتاب جواهر البلاغة أو مختصر المعاني، كما يدرسون الصرف ويدرس عادة كتاب شذا العرف أو كتاب التطبيق الصرفي.

هذا ما يتعلق باللغة العربية، وأما العلوم العقلية ففيها يدرس علم المنطق ومن الكتب التي يعتاد دراستها هو كتاب المنطق للشيخ المظفر، وذلك بعد دراسة كتاب مختصر في المنطق مثل كتاب خلاصة المنطق، وفي علم الكلام أو العقيدة يدرس كتاب مختصر ثم يدرس كتاب الإلهيات للشيخ السبحاني، وفي الفقه تدرس الرسالة العملية لأحد المراجع، وفي علم أصول الفقه يدرس كتاب الحلقة الأولى للشهيد الصدر.

  • مرحلة السطوح:[21] يصعب تحديد السنين التي تحتاجها هذه المرحلة ولكن بالمتوسط قد تحتاج إلى ثمان سنين أو تسع، ويدرس فيها في علم أصول الفقه الحلقة الثانية والثالثة للشهيد الصدر ثم كتاب الكفاية، وفي علم الفقه يدرس كتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية وكتاب المكاسب للشيخ الأنصاري.
  • مرحلة البحث الخارج: في هذه المرحلة يسعى الطالب لاكتساب ملكة الاجتهاد في الفقه والأصول، وهذه المرحلة لا تعتمد على كتاب معين، بل تعتمد على طرح ما يحققه الأستاذ الذي غالبا ما يكون فقيهًا أو مراهقًا للفقاهة، والدراسة فيها مفتوحة على حسب قدرة الطالب، فقد تستمر لأكثر من عشرين سنة، ومجرد البقاء في درس الخارج لا يجعل الطالب فقيها مجتهدًا، ولذلك لا تقاس المستويات العلمية لعلماء الدين بمدة دراستهم، بل بشهادة أساتذة الحوزة وأهل العلم والفضل لهم.

ثالثًا: طريقة الدراسة

في الجامعات عادة يقوم الأستاذ بإلقاء المادة العلمية دون أن يقرأ مع الطلاب ما في الكتاب، وإن قرأ فيكتفي ببعض الفقرات، أما الدراسة الحوزوية فهي تعتمد على إلقاء الأستاذ الدرس ثم يمارس الأستاذ ما يسمى بـ”تطبيق العبارة” والمقصود به هو تطبيق المعاني التي قدمها الأستاذ بأسلوبه على عبارات الكتاب، بحيث يفهم الطالب الدرس أولًا، ثم يفهم ما تشير له عبارات الكتاب، فلا يُعَدُّ كافيًا أن يتقن الطالب الدرس إن لم يستطع شرح ألفاظ الكتاب واستخراج المعاني منها، ولا بد أن نشير إلى ميزة العديد من الكتب الحوزوية في عباراتها المسبوكة سبكًا دقيقًا مضغوطًا، بحيث لا يستطيع –عادة- من يقرأها أن يفهمها فهما كاملا، وإن ظن أنه فهم كل ما فيها فهو غالبا يكون قد وقع في الجهل المركب، ولذلك فلا بد للأستاذ من تطبيق العبارة، وهذا الجانب من الدراسة الحوزوية قد يكون مملا بالنسبة إلى البعض، وقد يكون صعبًا جدًا في بعض الكتب.

رابعًا: الحوزة والتدين

بما تقدم يتضح أن الحوزة العلمية فيها دروس جافة قد لا يشعر الطالب مباشرة بارتباطها بالدين والأبحاث الأخلاقية، خصوصًا أن البعض يتصور أن الحوزة مكان للتدين والعبادة، وإننا لا نريد أن نقول إن الحوزة ليست كذلك البتة، فطلب العلم من أفضل العبادات، إلا أن في الحوزة جانبًا جادًا يشبه ما يجده الطالب الجامعي بعض الشيء، وبالتالي فلا بد من الطالب من الاستعداد الذهني للدراسة، لا أن يتوقع أن دروس الحوزة مثل المحاضرات المنبرية، فلا بد من التحضير والمذاكرة، والجد في طلب العلم واستغلال الوقت، وقد ضرب علماؤنا في ذلك أمثلة رائعة، من ذلك ما نقله بعض تلامذة العلامة الطباطبائي –قده- من أنه لما كتب تفسير الميزان أراد أن يستغل كل لحظة من وقته ولذلك كتب التفسير كله دون أن يضع النقاط، لأن وضع النقاط يستغرق وقتا ولو قليلا، وبعد أن أنهى التفسير عاد ليضع النقاط ويُنقل أنه كان يقول: “لقد حسبت أنني إذا كتبت بهذه الطريقة سأوفر مقدار صفحة من الوقت في كل عشرة صفحات أكتبها”[22] وما يروى في هذا المجال أكثر من أن يحصى، فلتراجع كتب سير العلماء.[23]        ومع هذا لا بد أن ننوه على وجود درس الأخلاق في الحوزات وعادة ما يدرس كتاب منية المريد للشهيد الثاني وكتاب جامع السعادات للشيخ النراقي.

خامسًا: ارتداء العمامة

كثيرا ما يُسأل طالب العلم عن المدة التي بقيت عليه كي ينتهي من دراسته ويلبس العمامة، ومما تقدم نعرف أن مدة الدراسة في الحوزة مفتوحة لا تنتهي، فحتى لو أنهى الطالب المقدمات والسطوح فلا ينتهي طريق طلب العلم، بل الحضور في البحث الخارج متاح، وممارسة التدريس متاحة أيضًا، فطالب العلم يمكن أن يطلب العلم مدة حياته.

أما عن العمامة، فليس لها توقيت ثابت أيضًا، فبعض الحوزات تُوقَفُ على الطلبة المعممين فقط، فمن يدرس فيها لا بد أن يلبس العمامة منذ أول يوم، ولكن أغلب الحوزات ليست كذلك، فيعتمد الأمر على الطالب فقد يرغب بارتداء العمامة في مرحلة السطوح أو في مرحلة الخارج، بل البعض قد لا يرتديها أصلًا رغم أنه أستاذ بارز في الحوزة يدرس بين يديه العديد من المعممين، ومن هنا فلا تقاس الرتبة العلمية بارتداء العمامة أو حجمها أو غير ذلك من الأمور الشكلية.

طالب العلم وطلب الرزق

مما يشغل ذهن الوالدين إن قرر ابنهما أن ينتسب للحوزة هو مسألة الحالة المادية وطلب الرزق، فقد يطلب منه أن يتخذ وظيفة أثناء دراسته الحوزوية، وأحيانا أخرى يحاول الوالدان ثنيه عن اتخاذ هذا الطريق، وقد يتدخل أطراف أخرى أيضًا لذلك، ويتم تخويفه بالمستقبل وصعوبة الحياة، وأهمية المال.

ونحن هنا لا نريد أن ننكر أهمية المال في حياة الإنسان، إلا أنه من المؤسف ما آل حالنا إليه من الاستغراق في التفكير المادي، والسعي لتجميع المال بقدر الإمكان للحصول على أكبر قدر من الرخاء الاقتصادي، وقلما نجد من يقلل من طلب الرزق ليتفرغ أكثر للحضور إلى المأتم والمسجد، ويحصل على وقت ليخدم مجتمعه أو يساهم في التعليم الديني، بل هذا لا يخطر في بال الكثيرين أصلًا، رغم أن في روايات أهل البيت ما دل على استحباب الاقتصاد في طلب الرزق،[24] وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة في أن يُعزف عن طلب العلم بسبب المال، فبداية العلاج أن ننظر في روايات أهل البيت ونجعلها حاكمة على سلوكنا، وقد ورد عن أمير المؤمنين في هذا الشأن: “العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق”.[25]

وعلى كل حال، فطالب العلم ينبغي أن لا يكون أكبر همه المال، وإلا فلن يصلح لطلب العلم، وينبغي أن يتحلى بالقناعة بما يُرزق، وأما عن مصادر دخل طلبة العلم، فبالأساس تقوم الحوزات بإعطاء طلبتها مرتبًا شهريًا، ويصعب ضبطه، إذ يختلف الطالب المتزوج عن الأعزب، والأستاذ عن الطالب، وبعض الحوزات تكرم الطالب المجد أكثر من غيره، ولكن على كل حال فعادة راتب طالب العلم يكون بمستوى أقل الناس راتبًا في البلد أو أقل،[26] وفي هذا المجال من لديه رغبة في الالتحاق بسلك طلبة العلم وهذا السؤال يشغل ذهنه أو يحتاج الإجابة عليه ليقنع والديه فعليه أن يسأل المدرسة التي سينتسب إليها؛ ليحصل على الجواب الدقيق، ولا ننسى أن ننوه إلى أن طالب العلم قد تتفتح له أبواب الرزق من حيث لا يعلم فقد يلاحظ بعض أساتذته منه الجد فيكرمونه، وقد يصير خطيبا مفوها فيتيسر أكثر شأن رزقه، وقد يكون عالما معروفا يُرْغَب في أن يكون هو العاقد في الزواج، وهذا باب رزق أيضًا، وغيرها من أبواب الرزق التي ييسرها الله لطالب العلم إن أخلص واجتهد والتجربة خير برهان، ومما يذكر عن بعض العلماء أن رجلًا ذهب إلى العالم لما رأى ضعف حاله من ناحية المال، فأشار إليه إلى مدى احترام الناس له، فلو طلب من أصحاب محلات الفاكهة أن يعطوه قليلًا فلن يمانعوا، فرفض العالم ذلك، لأنه أراد الاقتصار على ما عنده دون أن يطلب من الناس، وصادف أن سمع الحوار أحد بائعي الفاكهة، فعرض على الشيخ أن يشتري ما يشاء من الفاكهة ويسدد المبلغ متى شاء،[27] وكذلك الإمام الخميني –قده- لما كان في النجف الأشرف، كان يعيش بدار متواضعة لا تقيه من الحر، وكان صابرًا، فلما زاره السيد الخوئي –قده- انتبه لذلك فأمر مهندسًا بصيانة الدار لتكون أكثر راحة،[28] والقصص في هذا المجال كثيرة جدا، وقلما تجد طالب علم قضى سنين عمره في الحوزة لا يستحضر مثل هذه المواقف من تجربته الشخصية،[29] وما دامت عقيدتنا بالله سبحانه وتعالى أنه هو الرزّاق، فيجدر أن لا يكون هذا الجانب هاجسًا يشغل بال الراغب في سلك هذا الطريق، وعليه بالاستعانة بالله والتوكل عليه، فقد ورد عن أمير المؤمنين –ع- قوله: “ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم، وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه”.[30]

طالب العلم والوظيفة:

قد يقترح البعض على طالب العلم أن يعمل أثناء دراسته الحوزوية، كما ذكرنا سابقا، والعجيب أن سبب ذلك لا يكون دائما هو الحرص على المادة، بل بعضهم يطلب من طلبة العلم أن يتوظفوا لأنه يرى أنهم في سعة من وقتهم بحيث لا يكون مقبولًا منهم أن يضيعوا وقتهم دون عمل! وهذا التفكير سببه الجهل بطبيعة الدراسة الحوزوية، ومن الجيد التنويه أننا هنا لا نريد أن نُخَطِّئ ما يفعله بعض طلبة العلم –وفقهم الله- في انتسابهم لوظيفة ما أثناء دراستهم، فهم أعلم بما يناسبهم والله أعلم بحالهم، وإنما نريد أن نناقش من يتوقع من كل طلبة العلم أو أكثرهم أن يسلكوا طريق الوظيفة، فنقول: قد يكون طالب العلم لا يريد التفرغ لطلب العلم، بل يريد الحصول على بعض الثقافة الدينية ليفيد نفسه ويفيد بعض من يحيط به بصورة محدودة، فهنا قد يكون خيار الوظيفة ليس سيئًا إن لم يكن يؤثر في دراسته، وأحيانًا أخرى يريد طالب العلم الوصول إلى مرتبة عالية من العلم والفضيلة حتى يكون من العلماء البارزين في خدمة الدين والمؤمنين، وفي هذه الحالة لا ينبغي له أن يشتغل بأي شيء سوى طلب العلم إلا بالمقدار اللازم، وهذه هي سيرة العلماء، فالشيخ حسن زاده آملي –قده- ينقل أنه كان كثير الدراسة والانكباب على الكتب حتى نهاه أستاذه الشيخ محمد تقي الآملي –قده- عن ذلك كي لا يصاب بالتعب فتُدْبِر نفسه عن العلم،[31] والشيخ المصباح اليزدي –قده- يذكر أنه كان يقرأ على الأقل ست ساعات في اليوم، هذا دون حساب ساعات حضور الدرس والتدريس والمباحثة، بل كان في كثير من الليالي لا ينام ويسهر في القراءة،[32] ويحكى أن الشيخ مرتضى الأنصاري –قده- قد سأله طالب مبتدئ ليلة القدر عن أفضل عبادة يفعلها، فسأله الشيخ عن الكتاب الذي يدرسه، فأجاب الطالب بأنه يدرس الألفية، فطلب الشيخ منه أن يذهب لبيته ويدرس كتابه هذا حتى يأخذه النعاس لأن هذا أفضل الاعمال.[33]

فإذا كانت هذه حالة طالب العلم، فإذن ليس من الحكمة أن نطلب منه أن يقضى عدة ساعات في العمل والوظيفة، بل علينا أن نحثه على طلب العلم، وأن نشجعه على التفرغ قدر الإمكان، حتى يكون من العلماء الكبار الذين ينتفع بهم المذهب.

طالب العلم الجامعي:

مما يوقع الراغب في طلب العلم بالحيرة هو هل الأفضل أن يكون طالب العلم جامعيا أو أن يدخل إلى الحوزة بعد الانتهاء من المدرسة مباشرة؟ وفي هذا الجانب تدور نقاشات طويلة جدا، ومن العلماء من يرجح عدم الدراسة الجامعية، والبعض الآخر يرى أهمية الدراسة الجامعية لطالب العلم، وهذا ما قد يزيد من صعوبة الاختيار، إلا أنه من وجهة نظري القاصرة، أننا يجب أن لا نحصر أنفسنا بين هذين الخيارين بحيث يلزمنا اختيار أحدهما وحسب، فمن قال إن على كل طلبة العلم إما أن يكونوا جامعيين أو لا يكونون كذلك جميعًا؟ بل نقول إن لكل حالة خصوصياتها، فمثلا لو كان الشاب مترددًا في الانتساب للحوزة العلمية ويَحتمل أنه قد يغير رأيه، فهذا من الجيد أنْ يدخل الجامعة أولًا ريثما يُحدد طريقه، فإنْ وجد نفسه بعد ذلك مصرًا على الدراسة الحوزوية فبها ونعمت، وإلا فيمكنه البحث عن الوظيفة المناسبة له.

أما من يريد خيار طلب العلم دون تردد، فأيضًا لا نحكم على جميعهم بحكم واحد، فقد تكون هناك مصلحة خاصة في الذهاب للجامعة بحسب ظرف كل فرد، كما لو أراد الطالب في المستقبل التفرغ لحل المشاكل الأسرية، فدراسة علم النفس والاجتماع سينفعه، وقد لا يكون هناك مقتض أصلا للذهاب إلى الجامعة، خصوصًا إن كان الطالب وضع نصب عينيه أعلى مراتب العلم أو الوصول للفقاهة، فهذا الخيار لا يحتمل عادة الذهاب للجامعة، لطول مدة الدراسة الحوزوية والحاجة لسني العمر في مرحلة البحث الخارج، ولذلك نرى أغلب المراجع العظام إن لم يكن جميعهم قد دخلوا المدارس الدينية قبل الثامنة عشرة أصلا، فالخلاصة أن الخيار بيد الطالب بعد المشاورة ولكن عليه الانتباه إلى أنه قد يشعر بكبر سنه وأن الوقت يسبقه أثناء دراسته الحوزوية وقد يندم لأنه ذهب للجامعة وهذا ما جرى للكثيرين.

صبر طالب العلم:

من المهم لمن يريد طلب العلم أن يتحلى بقدر عال من الصبر والقناعة، وعلماؤنا الكبار قد كانوا على قدر كبير من القناعة والزهد والصبر، وهم مثال يحتذى به لطلبة العلم، فالشيخ حسن زاه آملي –قده- يذكر أنه عاش فقيرا صابرا حتى أنه كان مرة يبحث عن سكن يأوي أسرته فلم يقبل أحد تأجيره مسكنًا لائقًا لقلة المال الذي لديه، ولم يجد إلا غرفة حقيرة لعائلته، ولكنه قنع بها راضيًا، لأن همه الأساس هو طلب العلم،[34] والعلامة الطباطبائي –قده- عاش فقيرًا حتى أنه كان يستعير الكتب التي يحتاج قراءتها، وفي الفترة التي كان يكتب فيها تفسير الميزان كان يحصل على قوته من حقوق تأليف تفسيره،[35] والسيد البروجردي لما ذهب إلى إحدى مدن إيران للعلاج، توافد إليه المؤمنون فما كان منه إلا أن ذبح بعض الأغنام لهم، ولما جيء له ببعض اللحم، رفض أكله لأن الفقراء قد شموا رائحته.[36]

وغرضي من ذكر هذا الجانب من حياة العلماء هو أن لا يظن ظان أن طريق طلب العلم دائمًا يكون يسيرًا سهلًا، فقد يكون محفوفًا بالتعب والنصب، فقد يضيق الحال بطالب العلم فعليه بالصبر واللجوء إلى الله، وقد يكون في سعة من العيش ومع ذلك فعليه أن يسعى للعيش بالحالة المتوسطة، حتى لو كانت عائلته ثرية، والأموال التي عنده ملك له وليست من الحقوق الشرعية، وذلك لكي يواسي فقراء المؤمنين ولا يدع مجالًا للمتربصين، هذه توصيات المراجع العظام.[37]

ولكن مع هذا ينبغي التأكيد أن حالات الفقر الشديد عادة –بحمد الله- لا تحصل لطلبة العلم البحرانيين سواء كانوا في البلاد أو في قم المقدسة، فالحالة المادية مستقرة بشكل مقبول جدا للقانع.

رسالة أخيرة:

بما تقدم نلتفت إلى أن طريق طلب العلم فيه الخير والبركة، وفي التعب وبذل الجهد، ونحن نلاحظ حاجتنا لطلبة العلم في حياتنا، فنطلب من طلبة العلم الحضور في المناسبات الاجتماعية، وعند حصول المشاكل الأسرية يطلب تدخل طالب العلم الحكيم، ونرجع لطلبة العلم في معرفة أحكام ديننا لكي نصلح آخرتنا، ويحل العلماء الإشكالات العقائدية، فيعد طالب العلم ملجأ للناس، ومن هنا فعلينا أن لا نقصر في حث أبنائنا كي ينتسبوا إلى الحوزة العلمية، بالخصوص الطلبة الأذكياء، وذلك لأننا بحاجة للفقهاء والمحققين والعلماء الذين يحوزون على الرتب العالية من الفضيلة، وهذا لا يكون بدون الحصول على عدة مؤهلات أهمها الذكاء، فلا يكفي أن يكون الطالب متدينًا إن لم يمتلك استعدادًا ذهنيًا مناسبًا، ولا يعقل أن نطلب طلبة العلم في مختلف شؤوننا الاجتماعية ثم إن أراد ابننا طلب العلم نشعر أنه سيضيع مستقبله، فهذا نوع من سوء الظن بالله وبرزقه لطالب العلم، ولأننا لم نلتفت بما يكفي لهذا الجانب نجد أن البلاد لم تعد مركزًا للفقهاء كما كانت في السابق، فنحن لا نشجع الأذكياء على الالتحاق بالحوزة، وإن شجعناهم طلبنا منهم الدخول للجامعة، وإن دخلوها طلبنا منهم العمل بالإضافة لطلب العلم، ثم لا نكتفي بذلك ونطلب منهم أن يحضروا سائر المناسبات الاجتماعية كالأعراس والوفيات، و أن يتصدروا مواكب العزاء، وغيرها من التكليفات الاجتماعية الكثيرة، وإن لم يفعل طالب العلم ذلك قد يعاتب بشدة، ثم نستغرب إن لم يصبح هذا الطالب الذكي فقيها؟

هذا بديهي، فالفقاهة تحتاج عمرا طويلا يقضى في طلب العلم ومع ذلك قد لا يصل إليها الطالب، ومن هنا علينا أن نضع هذه الأمور تحت عين النظر والتأمل من جديد، وليكن ضمن خيارات مستقبل أبنائنا طلب العلم –إن كانوا مؤهلين لذلك- كما نضع ضمن خياراتهم أن يكونوا أساتذة وأطباء ومهندسين وغيرها من الوظائف النافعة للمجتمع، ولا ننسى أن ننوه إلى أن بعض الفقهاء العظام قد أفتى بوجوب طلب العلم عينيًا لا كفاية على القادر على ذلك ولم يمنعه مانع،[38] وبالطبع يجب استشارة العلماء ذوي الخبرة بالحوزة العلمية، وعرض مواصفات الطالب عليهم، لنستفيد من نصائحهم ويكون القرار في النهاية للشاب إن رغب في الدخول لهذا الطريق المبارك.

 

 

 

المصادر والمراجع:

-القرآن الكريم.

-آملي، الشيخ حسن زاده، شيخ الخربات، تح: هنارس للنشر، ترجمة: أحمد وهبي، دار الولاء، بيروت، 2020م.

-البن سعد، الشيخ عبد الجليل، الحوزة العلمية وسؤال التطور والتحرر، مؤسسة العروة الوثقى، الرويس – المعمورة، 2018م.

-بهلول، الشيخ محمد تقي، مذكرات الشيخ بهلول، ترجمة: عبد العظيم المهتدي، مؤسسة البلاغ، بيروت، ط2، 2009م.

-الجوهري، إسماعيل، تاج اللغة وصحاح العربية، تح: محمد محمد تامر، دار الحديث، القاهرة، 2009م.

-الحراني، الحسن بن علي بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، تعليق: الشيخ حسين الأعلمي، مطبعة سليمانزاده، قم، 1427هـ.

-الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت، ط3، 2008م.

-الحكيم، السيد محمد سعيد، المرجعية الدينية وقضايا أخرى، دار الهلال، القاهرة، ط5، 2010م.

-دستغيب، السيد عبد الحسين، القصص العجيبة، مكتبة الفقيه، السالمية، 1990م.

-السيستاني، السيد علي، منهاج الصالحين، دار المؤرخ العربي، بيروت، ط19، 2018م.

-الشريف الرضي، السيد محمد، نهج البلاغة، شرح: محمد عبده، دار البلاغة، بيروت، ط8، 2000م.

-الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 2010م.

-الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، دار الأميرة، بيروت، 2005م، ج6 ص167.

-الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الفتاوى الجديدة، إعداد: أبو القاسم عليان، مطبعة سليمانزاده، قم، ط2، 1427هـ.

-الطبرسي، الشيخ أحمد بن علي، الاحتجاج، تح: محمد صادق الكتبي، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1422هـ.

-الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، تح: مؤسسة البعثة، دار الثقافة، قم، 1414هـ.

-الفضلي، الشيخ عبد الهادي، الحوزة العلمية: تاريخها، نظامها، ودورها في تغيير واقع الأمة، تقديم: أحمد السمين، قم، 2015م.

-الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 2005م، ص1298

-الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، دار المرتضى، بيروت، 2005م.

-الكوراني، الشيخ علي، تجربتي إلى طالب العلم، 2010م.

-المبارك، الشيخ محسن، من سيرة العلماء على لسان السيد موسى الزنجاني، القطيف، 2020م.

-المجمع العالمي لأهل البيت، سلسلة أعلام الهداية، الإمام جعفر بن محمد الصادق، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، قم، ط3، 1427هـ.

-مصباح، الشيخ محمد تقي، الحوزة العلمية رؤى وتطلعات، ترجمة: حسين جعفر، دار المعارف الحكمية، بيروت، 2021م.

-مغنية، الشيخ محمد جواد، مع علماء النجف الأشرف، دار ومكتبة الهلال، بيروت، د.ت.

-المهتدي البحراني، الشيخ عبد العظيم، قصص وخواطر من أخلاقيات علماء الدين، مؤسسة البلاغ، بيروت، 2003م.

-النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، ط3، 1991م، ج17.

 

 

 

 

 

 

[1] الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، دار المرتضى، بيروت، 2005م، ج1 ص24.

[2] الحراني، الحسن بن علي بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، تعليق: الشيخ حسين الأعلمي، مطبعة سليمانزاده، قم، 1427هـ، ص27.

[3] الكليني، أصول الكافي، ج1 ص25.

[4] المصدر نفسه، ج1 ص25.

[5] المصدر نفسه، ج1 ص28.

[6] الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 2010م، ص4-5.

[7] الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، دار الأميرة، بيروت، 2005م، ج6 ص167.

[8] الكليني، أصول الكافي، ج1 ص26.

[9] الطبرسي، الشيخ أحمد بن علي، الاحتجاج، تح: محمد صادق الكتبي، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1422هـ، ج1 ص17.

[10] السُّها هو “كوكب خفي” انظر: الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 2005م، ص1298.

[11] الطبرسي، الاحتجاج، ج1 ص17.

[12] النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، ط3، 1991م، ج17، ص300.

[13] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، تح: مؤسسة البعثة، دار الثقافة، قم، 1414هـ، ج1 ص521.

[14] من أفضل ما كتب في هذا الشأن هو كتاب “منية المريد في أدب المفيد والمستفيد” للشهيد الثاني –قده-، فقد جمع الآيات والروايات الذاكرة فضل العلم والعلماء، وذكر العديد من الآداب التي يحتاجها طالب العلم في طلبه للعلم، سواء كانت مع أساتذته أو زملاءه أو عامة الناس، أو مع الكتاب، ولأهمية الكتاب فقد صار معتمدا في أغلب الحوزات العلمية منهجًا في دروس الأخلاق.

[15] الجوهري، إسماعيل، تاج اللغة وصحاح العربية، تح: محمد محمد تامر، دار الحديث، القاهرة، 2009م، ص292-293.

[16] الفضلي، الشيخ عبد الهادي، الحوزة العلمية: تاريخها، نظامها، ودورها في تغيير واقع الأمة، تقديم: أحمد السمين، قم، 2015م، ص26.

[17] راجع مثلا: المجمع العالمي لأهل البيت، سلسلة أعلام الهداية، الإمام جعفر بن محمد الصادق، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، قم، ط3، 1427هـ، ج8 ص61.

[18] من ذلك: مغنية، الشيخ محمد جواد، مع علماء النجف الأشرف، دار ومكتبة الهلال، بيروت، د.ت، والفضلي، الحوزة العلمية: تاريخها، نظامها، ودورها في تغيير واقع الأمة، والمبارك، الشيخ محسن، من سيرة العلماء على لسان السيد موسى الزنجاني، القطيف، 2020م، والكوراني، الشيخ علي، تجربتي إلى طالب العلم، 2010م.

[19] عادة يدرس كتاب التحفة السنية في شرح الآجرومية.

[20] ألفية ابن مالك هي منظومة مما يزيد بقليل على الألف بيت جمع فيها أغلب القواعد النحوية والصرفية.

[21] سميت بهذا الاسم لأن الطالب فيها يدرس الكتب دراسة سطحية بمعنى أنها خالية من الاستدلال، انظر: الفضلي، الحوزة العلمية: تاريخها، نظامها، ودورها في تغيير واقع الأمة، ص89.

[22] مصباح، الشيخ محمد تقي، الحوزة العلمية رؤى وتطلعات، ترجمة: حسين جعفر، دار المعارف الحكمية، بيروت، 2021م ص281، وهذا الكتاب نافع لمن يفكر في سلك طريق طلب العلم.

[23] من ذلك مدى جدية بعض العلماء المعاصرين في المذاكرة حتى في شهر رمضان فقد قرأ أحدهم كتاب قطر الندى ثلاث عشرة مرة في شهر رمضان، انظر: البن سعد، الشيخ عبد الجليل، الحوزة العلمية وسؤال التطور والتحرر، مؤسسة العروة الوثقى، الرويس – المعمورة، 2018م، ص131.

[24] انظر مثلا: الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت، ط3، 2008م، ج17 ص48-51.

[25] الشريف الرضي، السيد محمد، نهج البلاغة، شرح: محمد عبده، دار البلاغة، بيروت، ط8، 2000م، ج4 ص696.

[26] يشار إلى أن هذه الرواتب تصرف من سهم الإمام من الأخماس التي يدفعها المؤمنون، قال سماحة السيد السيستاني –دام ظله- عن سهم الإمام: “ومن أهم مصارفه في هذا الزمان (…) ويندرج في ذلك تأمين مؤنة أهل العلم الصالحين الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية…”، راجع: السيستاني، السيد علي، منهاج الصالحين، دار المؤرخ العربي، بيروت، ط19، 2018م، ج1 ص457.

[27] بهلول، الشيخ محمد تقي، مذكرات الشيخ بهلول، ترجمة: عبد العظيم المهتدي، مؤسسة البلاغ، بيروت، ط2، 2009م، ص244-245.

[28] المبارك، من سيرة العلماء على لسان السيد موسى الزنجاني دام بقاؤه، ص324.

[29] من ذاك ما نقله السيد عبد الحسين دستغيب –قده- عن جده الملا عبد الله البهبهاني، أنه استدان مبلغًا ليس بالقليل للظروف القاهرة، فلما لم يستطع سداد المبلغ ذهب لتبريز في ضيافة إمام أحد المساجد، وفي اليوم التالي أتى تاجر يطرق الباب، وسأل عن ضيف أتى في الليلة الماضية، فأجاب إمام المسجد بالإيجاب، فأخذه التاجر وأخبره أنه رأى في المنام أن أمير المؤمنين –ع- قد جاء لتبريز لأن الديون تراكمت عليه وهو يبحث عمن يقضيها، ففهم التاجر أن هناك رجل مؤمن مقرب لأمير المؤمنين جاء إلى تبرز، فقرر الذهاب لبيوت علماء تبريز بحثا عنه، وصادف أن وجد الملا عبد الله في أول بيت ذهب له، فقضى دينه، وهكذا يرزق الله من يشاء بغير حساب، انظر: دستغيب، السيد عبد الحسين، القصص العجيبة، مكتبة الفقيه، السالمية، 1990م، ص48-50.

[30] الكليني، أصول الكافي، ج1 ص24.

[31] آملي، الشيخ حسن زاده، شيخ الخربات، تح: هنارس للنشر، ترجمة: أحمد وهبي، دار الولاء، بيروت، 2020م، ص78.

[32] مصباح اليزدي، الحوزة العلمية رؤى وتطلعات، ص278.

[33] مغنية، مع علماء النجف الأشرف، ص88.

[34] آملي، الشيخ حسن زاده، شيخ الخربات، ص81.

[35] مصباح اليزدي، الحوزة العلمية رؤى وتطلعات، ص265.

[36] المهتدي البحراني، الشيخ عبد العظيم، قصص وخواطر من أخلاقيات علماء الدين، مؤسسة البلاغ، بيروت، 2003م، ص89.

[37] يقول السيد محمد سعيد الحكيم –قده- في وصاياه لطلبة العلم: “أن يبعدوا عن مواضع التهمة، ويتعففوا عن الناس، فلا يطلبوا المال، ولا يتعرضوا لتحصيله، وإن عرض عليهم المال تنزهوا عن قبوله إن كان من سنخ الهدايا والمساعدات الشخصية إباء وترفعًا (…) ثانيًا: أن لا يتوسعوا في كسب المال وإنفاقه لأنفسهم، ويبعدوا عن مظاهر الجمع والإدخار، والبذخ والترف، حتى لو كان المال من مكاسبهم الشخصية…” انظر: الحكيم، السيد محمد سعيد، المرجعية الدينية وقضايا أخرى، دار الهلال، القاهرة، ط5، 2010م، ص86-87.

[38] الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الفتاوى الجديدة، إعداد: أبو القاسم عليان، مطبعة سليمانزاده، قم، ط2، 1427هـ، ج1 ص464، فقد ذكر في جواب السؤال 1640 لما سئل عن حكم الانخراط في سلك الطلبة الدينيين: “لا يبعد أن يكون واجبًا عينيًا لمن يتوفر فيه الاستعداد ولا مانع لديه”، وقد يظن ظان أن كلام سماحة الشيخ يعارض ما ذكره في تفسير آية النفر، وقد اقتبسنا جزءا من كلامه في بداية المقال لما تكلمنا عن فضل العلم، إذ ذكر أن الآية تدل على الوجوب الكفائي، وهنا يذكر وجوب طلب العلم عينيًا، والجواب على ذلك: إن الشيخ قد ذكر الحكم العام الذي تشير إليه آية النفر، والذي لا يختص بزمان دون آخر، وهو الواجب الكفائي، أما جوابه هنا، فهو عن حكم طلب العلم في هذا الزمن، مع الحاجة الماسة للعلماء والمبلغين، إذ يرى سماحته وجوب ذلك عينيًا في هذا الزمن.